الخميس، 27 يناير 2011

لغة مُقَدَّسَة.. ولكنها مُهانة!

د.خالد صالح الحميدي
إذا تجاوزنا ما جاء عن قِدم اللغة العربية، وتأثيرها في الكثير من اللغات، وأن آدم نطقَ بها، وأنها لغة أهل الجنة، وغير ذلك.. سنجد، حقيقة، أنه يكفينا للدفاع عنها أنها لغة مقدسة، كونها لغة القرآن الكريم، ولغة التشريع، ولا تُقام الصلاة إلا بها.. وهي لغة الشعائر لعدد من الكنائس المسيحية، لا بل، كل من سبر أغوارها، سمت روحه وتلذذت نفسه.. لاحتوائها على كل ما يلزم الإنسان، من شعر ونثر وقصة وتصوير ومعنى ومنطق وقصد وجمال.. إنها، كما يقول ابن كثير: "أفصح اللغات، وأَبْيَنها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا أُنزلَ أشرف الكتب بأشرف اللغات". كما حافظت على توهجها وعالميتها، إذ ساهمت، لا بل أسّست، للكثير من العلوم والاكتشافات التي عرفتها البشرية.
ولكنها، وبعد تخلّف أهلها، ودخول اللغة الإنجليزية للعالم العربي مع الاستعمار، وقيام أمريكا، فيما بعد، بتعزيز انتشارها، بقوتها الاقتصادية والعسكرية، وجامعاتها، ومكانتها الرائدة في التقنية.. ومن ثم تسارع العولمة الثقافية والاقتصادية التي فرضت نفسها، استعلت الإنجليزية، وحُقَّ لها أن تستعلي كونها لغة الأقوى! وترسخت كلغة للمال والأعمال، ومفتاحاً لاحتلال المراكز القيادية، إذ إن الاعتقاد الرأسمالي أوحى بأن من يرطن بالإنجليزية إنما يقول الحق ويفسر العلم دون شك؟! في المقابل، تشرئب الأعناق للمتحدث بالعربية، ناظرة إلى حجمه، ولون عينيه، بتلمظ وتململ، سائلة عن شهاداته، محصية لخبراته، مأخوذة منه بالعزة! لم تعد الشهادات والخبرات هي المحك ما دامت عربية الشكل والمضمون؟!
كذلك، أُهملت العربية، لساناً وتعاملاً، خاصة في بعض الدول الإسلامية، جراء كثافة أعداد العمالة غير العربية، لتصبح حروفاً مجزّأة تُخالطها حروف أخرى من لغات أخرى، بلهجات ولكنات مختلفة.. فاستشرت لغة هجينة مُستحْدَثة، أصبح العربي معها في مواجهة لج ثقافي – لغوي، فسيفسائي تثاقفي بغيض!
لا بل، وصل الإهمال إلى حد الإهانة! إذ أصبحت هذه اللغة المقدسة، بما هي مادة للمطبوعات الورقية، تُداس بالأقدام، وتُستعمل للف الخضراوات، ولتنظيف الزجاج، وربما المراحيض، ليس من قِبل الخدم فحسب، بل من قبل العربي نفسه! ثم، لم يعد غريباً أن تسير في الشوارع فترى المطبوعات العربية وقد رُميت هنا وهناك، وإن شعرت بالغيرة على قدسيتها، عليك حينئذٍ أن تقوم بجمعها ووضعها في مكان ما بعيداً عن الإهانة، ولكن، لكثرتها، تعود وتستسلم وتغض الطرف وتسير في طريقك! فالأمر لا يكفيه تدخل فردي، لا بل حتى الأفراد سلبيين، إذ يندر أن تجد من يشاركك هذه الغيرة، ففي الغالب تُداس ولا يُبَالى بها! تصوّر أنك تسير في الشارع فتدوس على عبارة: "لا إله إلا الله" أو "محمد رسول الله".. حتى كتيبات الأذكار مرمية في الطرقات.. لغة مقدسة، ولكنها مُهانة!
كذلك مهانة لساناً، إذ الكثير من البيوت لا يتكلم أهلها سوى الإنجليزية! تسأل لماذا؟ فتأتيك الإجابة: هي لغة العصر، لغة المال، لغة المستقبل! وأي مستقبل؟ وها هي لغات كالصينية واليابانية، إلى جانب العربية، تنتظر اكتمال الدائرة لتعود وتأخذ مكانتها في عالم المال والأعمال..
ويبقى السؤال الحاضر على الدوام: إذا كانت ثقافة المجتمع تعتمد على الفكر، فتدخل اللغة كوسيلة لهذا الفكر، للتواصل المادي والمعنوي لتشكل ثقافة المجتمع، بالتالي، عدم وجود لغة واحدة مسيطرة في المجتمع، يندمج من خلالها أفراده، يعني عدم وجود ثقافة مجتمعية متناغمة وبناءة.. فاللغة تعني أحد مرتكزات السلوك وأحد أنماط التفكير المكتسبين، ضمن نسيج متجانس، وضياع هذين المرتكزين يؤدي إلى ضياع اللغة، وضياع التجانس المجتمعي، بفعل سيطرت التثاقف على الثقافة.. بمعنى: تفوق ثقافة أو ثقافات، بما فيها من لغة أو لغات، بواسطة الاحتكاك (غير العرب) على ثقافة أخرى (ونقصد هنا العربية) بسبب ضرورات الحياة، أو الغلبة العددية، أو غير ذلك.. والأمر هنا شائك، لما يتضمنه من سلبيات، وآثار آنية ومستقبلية، غير حميدة على سائر المستويات.
فمن الواجب أن نغار على لغتنا، ونصونها من الإهانة.. وليكن ذلك من خلال حملة "احترام اللغة العربية"، تُطرح من خلالها ثقافة المحافظة على هذه اللغة، عبر مؤسسات المجتمع المدني، ومؤسسات الدولة، خاصة، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووسائل الإعلام، وخُطباء الجمعة.. لإظهار قدسية هذه اللغة، وحُرمة أهانتها، فهي هويتنا، بها البركة والعزَّة، والملاذ إلى مرضاة الله .. وإن كانت، بنا أو بدوننا، لغة لن تندثر باندثارنا وستزدهر بغيرنا.

المصدر

الثلاثاء، 25 يناير 2011

شباب : «العربيزي» .. لغة شبابية لا تهدف لطمس لغتنا العربية!

شباب الدستور - نضال لطفي اللويسي

انتشرت في الآونة الأخيرة بين فئة الشباب ظاهرة الكتابة والحديث بلغة العربيزي "اللغتين الانجليزية والعربية" بالإضافة إلى الكتابة بلغة العربيزي ، ويستخدم فيها الأحرف والأرقام للدلالة على كلمات معينة فمثلا رقم 6 يعني ط ، رقم 9 يعني ص ، 3 يعني ع.. وهكذا ، فالبعض قد لا يتقن هذه اللغة نظرا لصعوبتها أحيانا وعدم القدرة على استيعابها ، مثالها Mr7ba kefk a5bark وتعني مرحبا كيفك؟ اخبارك؟.

شباب الدستور التقى عددا من الشباب والشابات للحديث عن هذا الموضوع.

رشا العدوان

تقول رشا: "العربيزي" موضة مثل أي موضة وصلتنا بطريقة أو أخرى تحكي كلمة عربي وعشرة انجليزة ، حلو ورائع الشخص يتكلم لغات جانبية بالاضافة للغة الأم لما تسافر لما تحاور شخص مثقف تستخدم وسائل التكنولوجيا بس سؤال بسيط ليش (الأجانب) ما يستخدموا لغتنا بحياتهم مثلنا سؤال فرصة نفكر فيه لغتهم أو لغتنا لنختار".

منى جودة

وتقول منى "انا أؤيد اللغة المعروفة بالعربيزي ، فأنا لا أرى إنها كما يقال تسيء للغتنا العربية وللغة الانجليزية فكلا اللغتين محفوظة ومتداولة في حياتنا اليومية ومستخدمة بالشكل الصحيح في الوثائق والمعاملات الرسمية وفي مناهج التدريس ، فمن بين وسائل التسهيل الكثيرة المنتشرة في العصر الحالي (لغة العربيزي) فهي تستخدم من باب السرعة وتبسيط الأمور في messages مثلا عبر mobile وفي comments على face book وكذلك في emails وغيرها ، أي إنها تستخدم في كل ما هو إلكتروني وعادة تكون هذه الالكترونيات لغتها الأساسية هي اللغة الانجليزية لذا وللسرعة نحن نستخدم الأحرف الانجليزية في الكتابة بدلاً من ان نحول للعربية وبما أنه ليس الجميع قادرا على فهم وكتابة الكلمات الانجليزية فتكون النتيجة إننا نعبر بكلماتنا العربية من خلال أحرف انجليزية ، كما انه كون الكلمات والجمل باللغة الانجليزية أطول منها باللغة العربية فنحن نلاحظ ان عدد الأحرف الانجليزية المتاحة في sms أكثر من عدد الأحرف العربية المتاحة في sms وبالتالي فنحن نستطيع ان نكتب أكثر بنفس القيمة المدفوعة ، وان هذه اللغة لسهولتها والسرعة في استخدامها وكونها اقتصادية - إذا أمكن القول - ولأنها مناسبة لمختلف الأجيال ، أصبحت دارجة والكل يعرفها لذا فما الضير من استخدامها،، فهي ليست كما يصفها البعض بأنها تهدف إلى طمس ثقافة لغتنا العربية والإساءة للغة الانجليزية ، هي مجرد لغة سهلة تهدف إلى تبسيط عملية التواصل عبر الوسائل الالكترونية وغيرها ، وكما ذكرت فإن اللغات الأساسية ستبقى متداولة بين الناس وستبقى محفوظة ولها مكانتها وقيمتها الاجتماعية.

هالة الرمحي

وتجد هالة انها لغة كثيرة الانتشار لسهولة فهمها والتعامل معها بين الشباب فأصبحت لغة العصر ، قد يرى بعض الأشخاص الكبار أنها غير مفهومة وغير منطقية ولكن بنظرنا هي من أكثر اللغات شعبية ولغة تعطي الخصوصية لبعض الشباب القادر على فهمها.

هلا اللويسي

تقول هلا ان هذه اللغة هي لغة الشباب ولغة العصر لتميزها بالخصوصية ، حيث لها اختصاراتها وعملية فهمها سهلة التعامل ومختصرة.

مجد محمد

أما مجد فتقول "هي لغة خاصة بالشباب تفرضها الظروف ولعل أهمها عدم توافر لوحة مفاتيح عربية لديهم فأصبحوا يكتبون بأحرف إنجليزية ومعانْ عربية وأصبحت هذه اللغة سهلة جدا لمن تعود عليها مثل الهمزة 2 وحرف ع 3 وحرف ص 9 وبقية الحروف تنطق كما هي في اللغة الانجليزية بمفرداتها العربية".

وتضيف "لا أحبذ استخدام هذه اللغة كما يستخدمونها و هي أصلا كتابه لاتينية تدمر اللغة العربية وأنا لا أستخدم هذه اللغة فهي لا تعبر عن ثقافتي وديني".

خلدون عبيد

يقول خلدون "انا استخدم هذه اللغة كثيرا ويوميا فاستخدمها لسهولة التواصل مع الأصدقاء فربما أكون أدردش مع أكثر من شخص واحدهم لا يفهم اللغة العربية فأضطر للتواصل مع الباقي باستخدام العربيزي لأتجنب تحويل الكتابة من الانجليزية للعربية والعكس صحيح ولا تتعلق بدردشة الانترنت بل استخدمها بالرسائل القصيرة لتجنب تغير اللغة أيضا واعتقد ان معظم الشباب يستخدمون هذه اللغة ويفهمون اختصاراتها لتسهيل التواصل بينهم".

nidal.alwisi@yahoo.com
Date : 26-01-2011

المصدر

الخميس، 20 يناير 2011

العربية ليست لغة كلاسيكية

صلاح بوسريف
2011-01-19

لا يمكن لمن يدافع عن لغة ما أن يستعمل في مقابلها لغة أخرى باعتبارها ميتةً، أو لم تعد صالحةً للعلم ولا للمعرفة، أي باعتبارها لغة 'كلاسيكيةً'، بهذا المعنى الذي يُخْفِي في طياته الكثير من التَّنَدُّر والازدراء.
في هذه الصفة التي تُطْلَق على العربية اليوم، وهي ترجمة للعبارة الفرنسية Larabe claique ما يشي، طبعاً، بالموقف من العربية، عند مَنْ يحرصون على استعمال هذه العبارة، أو هذه الصفة، سواء أكانوا من العرب أم من غيرهم.
من يعرف تاريخ العربية، يُدْرِك جيداً، أن عربية اليوم ليست هي عربية الأمس، وأنَّ العربية مرَّت بأطوار كثيرة، نَقَلَتْها من ' لغة نَمَِطيةٍ '، كما يريد لها بعض من ينتسبون لـ 'اللسانيات النسبية'، أو الذين يربطونها بالنص الديني، باعتبارها لغة القرآن، أي تلك اللغة التي لا تقبل التبديل، أو الإضافة، ما يعني أنها ' كلام الله '.
لم تكن العربية لغةً ميتةً، كما أنها ليست ' كلام الله '. فهي لغة عربية، بانتسابها للناطقين بها، وهـي لغة الشِّعر الجاهلـي، التـي بها ' كتب ' الشُّعراء العرب ممن كانوا وثنيين، قبل ظهور الإسلام، أو مَنْ كانوا مسيحيين، أو انتسبوا لمعتقدات أخرى مما كان معروفاً في هذه المرحلة من تاريخ الجزيرة العربية. فالقرآن نزل بالعربية، وَعْياً منه بضرورة التواصل مع مَنْ تَوَجَّهَت إليهم الدعوة، فهو لم يكن ممكناً أن ينزل عليهم بلغة أخرى، ما دفع إلى التأكيد أنه نزل بلسانٍ عربي، تحقيقاً لشرط التبليغ، أو تسهيل وصول الرسالة لمن ذهبت إليهم. فلغة القرآن، هي أسلوب من أساليب العربية، وهي جاءت كَتَحَدٍّ لعربية الشِّعر، أو للعربية السائدة، آنذاك، أو هي، بالأحرى، جاءت كتعبير عن هذا التنوع الذي تميزت به العربية، وما تختزنه في نفسها من إمكاناتٍ للابتداع والإضافة.
فإذا كان القرآن، باعتباره ثورة على القيم السائدة فـي ' المجتمع العربي '، بما حَمَله من تَصَوُّراتٍ جديدة، أكَّد عليها هو نفسه، قياساً بمعتقدات ' الآباء '، ورفضه لسيادة التقليد والتبعية، كما جاء في الآيات؛ ' قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آباءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ' [الشعراء، 74]، ' بَلْ نَتَّبِع مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا '[لقمان، 21]، ' حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ' [المائدة، 104]، جاء لبداية عهد جديد، فكيف يمكنه أن يرفض التجديد والابتداع والإضافة، أو يعمل على خلق آباء جدداً، لاخَلَفَ لهم..
فالقرآن، لغة، هو أحد تعبيراتِ العربيةِ، وهو أحد إمكاناتها الكبيرة في ابتداع اللغة، وفي تنويع أساليبها، كما أنه، كان، بإقدامه على استعمال تعبيراتٍ غير عربية في خطابه، يُشِير إلى ذلك التَّلاقُح الذي لا يمكن لأي لغة، كيفما كانت أن تَنْجُوَ منه، باعتبار اللغات كائنات حية، ما دامت تجري على ألسنة الناطقين بها، أو تُسْتَعْمَل في كتاباتهم، وما دامت تقبل اللقاء بغيرها من اللُّغات، بحكم كثير من العلائق، التي لم تعد تكفي المَعْرِفةُ وحدها، في إحداثها، خصوصاً في وقتنا الراهن، حيث أصبحت إمكانات التواصل والإعلام أكثر شساعةً مما كانت عليه قبل عشر سنواتٍ، دون أن نعود إلى زمن الرسول.
الذين يحرصون على اعتبار العربية لغة كلاسيكية، وهم، طبعاً، يتحدثون عن العربية اليوم، وليس عن عربية القواميس القديمة، وتحديداً ' لسان العرب ' الذي اكتفى فيه ابن منظور بعربية ما قبل التدوين، لا بما بعدها، يفعلون نفس ما يفعله الذين يخرجون بالعربية من دُنَيَوِيَتِها، لِيُلْبِسُوها لِبَاسَ السَّمَاء. لا فَرْقَ، خصوصاً حين تكون صفة كلاسيكي تعني ما ثَبُتَ على صورة ما، وأصبح نمطياً، لا يقبل الابتداع و التجديد أو الإضافة، أي أن قواعده وقوانينه راسخة ولا تقبل التبديل.
يقول أحد هؤلاء ' أما العربية فقد فقدت الانتساب إلى قومها مذ اختارها الله عز وجل لكلامه في القرآن الكريم، وزاد رسوله الأمين (ص) فعبَّر بها عن سُنَّتِه المُوَجَّهَة إلى المسلمين فصارت بذلك لسان حضارة القرآن ' [محمد الأوراغي، لسان حضارة القرآن،ص96].
من لغةٍ تَخََشَّبَتْ في الأرض، إلى لغةٍ لَبِسَت أَزَلَ السَّماء. في الحالتين، فهي لن تكون سوى لغةٍ انتهت، وأصبحت غير قابلة للاستعمال إلاَّ وفق قوانينها الثابتة المستقرة، أو ما يُسمِّيه صاحب ' لسان حضارة القرآن '، بـ ' القوانين الزجرية ' التي ينبغي أن نضرب بها على يَدِ كل مَنْ حاول خلق طريقة في التعبير، أو أسلوب في الكتابة، هو غير أسلوب القرآن، أو ما يُسَمِّيه بـ ' كلام الله '، هذا التعبير الذي سبق لميرلو بونتي أن استعمله في سياق مغاير.
عرفت العربية لحظات وَهَنٍ وضعف، كما عرفت الثقافة العربية، انحساراً، كانت له انعكاساتُه على اللغة، وعلى الحضارة، ما جعل فكرة ' النهضة '، أو ' اليقظة ' أو ' البعث والإحياء '، تظهر، باعتبارها نوعاً من الوعي بالمأزق الذي صارت عليه هذه الثقافة، وما كانت تحمله من قيم، وهو، على أي، وعي شرع في إعادة قراءة ماضيه، و البحث في أسباب هذا الانحسار، وهذا ' التخلف ' الذي طال كل أسباب الوجود العربي.
ففي مقابل هذا الوَهَن، في اللغة، شعرياً، وهو ما حدث مع مختلف السلفيات التي ظهرت في زمن ' النهضة '، عمل الإحيائيون على النظر إلى الماضي، باعتباره مُنْقِداً، أو مَخْرَجاً من هذا المأزق، أي باعتبار الماضي هو الحل لمشكلات الحاضر. فبدل أن تذهب هذه السلفيات إلى الأمام، عادت إلى الوراء الذي بدا لها مثالاً، وقُدْوَةً، كونه كان فترة قوة وازدهار وغَلَبَة، أوهي الفترة التي كانت فيها اللغة عربيةً صميمةً.
يعرف الباحث في تاريخ العربية، أنَّ هذه اللغة، حتى في لحظات الجمع والتقعيد، لم تخلُ من التَّلاقُحات التي كانت تأتيها، إما من نفسها، أي من مجموع اللهجات التي كانت محايثةً لها، أو من خارجها، بفعل العلاقات التي ربطت العرب بغيرهم من الأمم. ليس هذا فقط، بل إنَّ ما سجله النقاد على الشُّعراء، في الجاهلية كما في المراحل التالية عليها، من مؤخذات تتعلق بـ ' أغلاط ' الشعراء، وما شاب شعرهم من مشكلات لغويةٍ، كان أحد مظاهر الصراع الذي كانت اللغة تعمل من خلاله، على كَسْر المعيار، وتأكيد قدرتها على الحياة، كون اللغة، كائناً حياً، وليست مجرد أداة جامدة لا حياةَ فيها.
ما يعني أنَّ الحديث عن العربية باعتبارها لغةً واحدة، هي نفسها عبر مختلف مراحل تاريخها، لم يحدث فيها أي تغيير وتبديل، في ألفاظها وتراكيبها، وفي تشبيهاتها ومجازاتها، هو محض هُرَاء، من جهتين:
1. من جهة مَنْ نظروا إليها بأنها لغة مقدَّسَةً راسخةً، لا تقبل التبديل.
2. ومن جهة مَنْ ينظرون إليها بأنها انتهت وانكفأت على نفسها، في مقابل غيرها من اللغات أو اللهجات.
فالعربية، التي بها يكتب هؤلاء، أنفسهم، ليست هي لغة القرآن، ولا لغة ابن منظور. بدليل أن الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، التي تنشر كتاباتهم، تستعمل العربية، كما يستعملونها هُم، ليس باعتبارها لغة كلاسيكية، أي اللغة التي بها كتب فارس الشدياق أو رفاعة الطهطاوي، إبان فترة ' النهضة '، أو لغة الكواكبي وجمال الدين الأفغاني، كما أنها ليست لغة السَّماء، أو لغة لله. عربية اليوم هي انعكاس لمجموع التحوُّلات التي تجري على الأرض. صحيح أنَّ ثمة مشكلات في علاقة العربية بالمفاهيم و التصورات العلمية الحديثة، وما يعتري ترجمة كثير من المفاهيم العلمية وغيرها مما له صلة بمجالات المعرفة المختلفة، خصوصاً ما يتعلق منها بشبكة التقانة الرقمية الحديثة، وكيفية نقل العربية من وضع التلفظ التقليدي المرتبط بالكتابة الورقية، أو وسائل الطباعة التقليدية، إلى هذه الفضاءات الرقمية الواسعة، بأسهل الطُّرُق وأسرعها. وهي، طبعاً، من المهام التي لا يمكن أن نُلقيها على عاتق الأفراد، لأنها مهام لا يمكن أن تنجزها إلاَّ الدول، بما لها من إمكانات، ومؤسساتٍ، خصوصاً فـي مجال البحث العلمي، وبما يمكن أن تَسُنَّهُ،
هذه الدول، من قوانين، وأن تضعه من إجراءات تتيح للباحثين، أو العاملين في هذا المجال أن يبتدعوا الصيغ والمقترحات الممكنة لوضع العربية في سياقها العلمي و المعرفي الحديثين.
ما يجري اليوم من ندوات ولقاءاتٍ، وما يُعقد من جلساتٍ حول العربية، في مجموع الوطن العربي، بما فيه ما يجري في المغرب، هو، ربما، نوع من اليقظة المتأخِّرَة، لأنها، بالأسف، لم تتم من خلال وعي الحاجة إلى تطوير اللغة وتحديث آليات عملها، بقدر ما جاءت كردٍّ على ما تتعرض له العربية من هجماتٍ متتالية، ومن أكثر من طرف وجهةٍ. ليس بهذا المعنى يمكن أن تقوم هذه الجهات، بدورها في قيادة العربية نحو المستقبل، فهي بعكس ذلك تزيد الطين بَلَّةً، كونها ما زالت تعمل خارج سياق ما يجري في واقعنا اللغوي، فهؤلاء يجتمعون للحديث عن لغةٍ، هي اللغة التي دأب أصحاب ' حضارة القرآن ' على اعتبارها اللغة البديلة، كما دأب غيرهم، على اعتبارها لغة كلاسيكية، بنوع من التعميم، أو بنوع من التعتيم، بالأحرى.
لا ينظر هؤلاء إلى لغة الإبداع، وما يجري من صلات بين العربية والعاميات العربية، وبين العربية وغيرها من مقترحات الترجمة أو التكييف اللغوي، الذي تقترحه كتابات مبدعيـن ومفكرين عرباً، والنظر
إلى اللغة، في سياقها التداولي. كل هذا غائب عن هؤلاء، وما يشغلهم هو المعيار والنمط، وهذا أحد أسباب اعتبار العربية لغة كلاسيكية، عند
مَنْ يبحثون عن حُجَّةٍ لإثبات صحة مواقفهم.
ليست العربية لغة مقدسة، ولا لغة كلاسيكية، فهي لغة تعيش واقعين؛ واقع المؤسسة التي تعمل على حصرها في المعيار والنمط، وتعمل على ترويجها وفق هذا المعنى. وواقع الابتداع الذي تعكسه بوضوح لغة الشِّعر والرواية و الفكر، كما تعكسه تلك الانزياحات التي تخرج بالعربية من بلاغة الماضي، إلى بلاغة الحاضر، الذي ليس هو الماضي بالضرورة.
فصرخة جبران الشهيرة، ' لكم لغتكم ولي لغتي '، حين عِيبَ عليه أنَّ عربيته ليست سليمةً، في مثل استعماله لكلمة ' تَحَمَّم ' بدل ' اسْتَحَمَّ '، كانت تعبيراً عن هذه المسافة التي تفصل بين هؤلاء، وبين مَنْ يعملون على العودة بالعربية إلى زمن التدوين والتقعيد، الذي أفضى إلى ما نحن فيه اليوم من نقاش حول جدوى، أولا جدوى العربية، في مختلف مجالات المعرفة، ناهيك عن حاجتنا لها في حياتنا اليومية. 

الثلاثاء، 18 يناير 2011

معاجم اللغة العربية.. نظرة تاريخية ومتغيرات حضارية تتطلب التجديد


دمشق: سانا
يعود أول فهرس بلغة واحدة الى القرن الثالث قبل الميلاد من إنجاز الصينيين القدماء ولكن علماء اللغة والآثار يؤكدون أن أول فهرس للكلمات عرفه البشر من لغتين هو سومري أكادي يعود تاريخه إلى ألف وثلاث مئة عام قبل الميلاد وقد اكتشفه الأثريون في مدينة إيبلا السورية.

وإذا كانت لكل حضارة قصصها وتاريخها القاموس فإن للغة العربية باعاً طويلاً في هذا الشأن ولاسيما أنها لغة القرآن الكريم ولها ما لها من إيقاع موسيقي تطرب له الآذان وفيها مافيها من دلالات ومعان لا تقف عند حدود.

وقد وعى العرب منذ القدم أن لغتهم سلاحهم الأمضى فعشقوا الشعراء وأنصتوا للفصحاء منهم فرفعوا لغتهم إلى أسمى المصاف وانكبوا يشتغلون عليها حتى صارت صنعة فعلماً.

ويعد كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي نقطة تحول أساسية يؤرخ بها للعمل المعجمي العربي ولاسيما أن الفراهيدي الذي توفي عام 786 للميلاد يوصف بأنه أعلم علماء عصره في مضمار اللغة وله تدين العربية ببحور الشعر وقد بدأ معجمه بحرف العين ولم ينسق كلامه على ترتيب حروف الهجاء المتعارف عليها ولا على ترتيبها في حساب الجمل بل وضع للحروف ترتيباً من عنده فقدم الحروف الحلقية ثم أعقبها بالحروف الشجرية ثم الأحرف اللسانية ثم الشفهية ثم المعتلة.

وعلى أثره ألف إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي كتاب البارع الذي رتبه متأثراً بنظريات سيبويه المشروحة طولاً وعرضاً في كتابه الكتاب الذي قدم حرف الهاء على سائر الأحرف ووضع العين بعدها.

وفي القرن العاشر الميلادي تداول العلماء كتاب التهذيب لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري الذي هدف منه لتنقية اللغة من شوائبها إلى أن وضع الفيروز أبادي معجمه القاموس المحيط في القرن الخامس عشر الذي شكل مرحلة مفصلية في تاريخ البشرية حين تمكن الألماني غوتنبرغ من اختراع أول مطبعة عام 1440 ومن طباعة كتاب بالكامل في عام 1455.

ثم تتالت قواميس النهضة العربية كمحيط المحيط لبطرس البستاني الذي صدر في عام 1883 والمنجد للويس معلوف في عام 1946 وقد صدرت هذه القواميس في لحظة تبدل خلالها وجه العالم فتم تمديد شبكات الكهرباء وسكك الحديد وافتتاح المصانع وتشييد المدن.

ورغم مرور الزمن لم يفقد المعجمان التاريخيان لسان العرب لابن منظور والقاموس المحيط للفيروز آبادي ألقهما حتى اليوم ولا يهنأ عيش للشغوفين باللغة ما لم يعرجوا يوماً بعد يوم على هذين المصدرين.

فبعد سبعة قرون من ظهور قاموس العين نذر العلامة أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري الأنصاري الخزرجي المعروف بابن منظور حياته للغة مستقصياً ومرتباً مفرداتها وذلك كما جاء في مقدمته بسبب /..انتشار الجهل بين الناس بالعربية وافتخارهم بمعرفة اللغات الأجنبية/.

جمع ابن منظور لسانه مستنداً إلى خمسة كتب موءسسة هي تهذيب الأزهري ومحكم ابن سيده وصحاح الجوهري وحواشي ابن بري ونهاية ابن الأثير فاستفاد منها من كل ما تم تأليفه قبله فجاء عمله موسوعياً وإن أخذ عليه بعضهم عدم استفادته من الجمهرة لابن دريد والبارع للقالي وغيرهما إلا أنه رغم ذلك فإن لسان العرب يمتع متصفحه فهو فرد من دنيا المعاجم العربية بشموله وبجمعه شمل ما تم وضعه من كتب قبله.

أما القاموس المحيط للفيروز أبادي الذي أهداه للملك المملوكي الأشرف إسماعيل بن عباس الرسولي فقد هدف منه لجمع فصيح العربية وغريبها وبسيطها وأطلق عليه هذا الاسم لأنه أراده بحراً عظيماً كما جاء في مقدمته.

استند الفيروز أبادي وهو يضع قاموسه على كتب من سبقوه لكنه حرص على تنظيمها فتخلصت مواد قاموسه من التشتت الذي كان يرغم الباحث على قراءة المادة كلها كي يحصل على معاني الصيغة التي يريد وقد انتهج نهج الصحاح أي إنه رتب كلماته على أواخر أصول الكلمات وهو برأي الكثير من الباحثين الترتيب الذي تقتضيه طبيعة اللغة العربية بسعتها الاشتقاقية.

وفي عام 1632 تمت ترجمة القاموس المحيط إلى اللاتينية واعتمده المطران جرمانوس فرحات أساساً لموءلفه باب الإعراب في لغة الأعراب وشرحه المرتضى الزبيدي في تاج العروس في شرح جواهر القاموس.

انتشر القاموس المحيط بين الناس بعد أن تمت طباعته أول مرة في الهند ثم في مصر عام 1872 وكانت نسخ هذا المعجم تعد بالآلاف قبل صدوره مطبوعاً وقد نقده أحمد فارس الشدياق في كتابه الجاسوس على القاموس.

أما تاج العروس فهو شرح للقاموس المحيط وبه اختتم العرب حقبة قاموسية بدأت بالعين في القرن الثامن ودامت أحد عشر قرناً إلى أن بزغ فجر القرن التاسع عشر مثقلاً بالتغيرات الجغرافية والسياسية التي دبت في أواصر اللغة وقواميسها حياة جديدة.

ومع حملة نابليون على مصر جاءت أول مطبعة نبهت العربية وأهلها إلى ما آل إليه العصر فأرسلت البعثات إلى فرنسا وازدهرت الترجمة وما واكبها من معاجم ثنائية اللغة.

وفي عام 1835 تأسست مدرسة الألسن برئاسة رفاعة الطهطاوي وقد ترجم تلاميذه أكثر من مئتي مؤلف من أشهر الكتب الطبية والطبيعية ولما تأسست مدرسة الطب في القاهرة عام 1826 شعر القائمون عليها بحاجة ماسة إلى ترجمة المصطلحات الطبية فاستحضر من باريس قاموس القواميس الطبية الواقع في ثمانية مجلدات وتعاونت مدرسة الطب بكل هيئاتها على ترجمة هذا القاموس إلى العربية وعلى إثرائه بالمصطلحات الطبية الواردة في القاموس المحيط لكن لم يتم نشر هذا المعجم رغم أن مادة الطب ظلت تدرس باللغة العربية في الجامعة المصرية والجامعة الأميركية أما اليوم فبقيت الجامعات السورية هي الوحيدة التي تدرس الطب باللغة العربية.

وفي عام 1866 أعاد بطرس البستاني تبويب القاموس المحيط للفيروزأبادي تحت عنوان محيط المحيط وتلته نسخته المختصرة قطر المحيط وقد رتب البستاني معجمه ألفبائياً باعتبار أوائل الألفاظ مجردة كما فعل الزمخشري وقد شاءه هين المراس سهل المأخذ ليكون للطلبة مصباحاً يكشف لهم عما أشكل عليهم من مفردات اللغة.

وفي عام 1908 صدرت الطبعة الأولى من المنجد للأب لويس المعلوف اليسوعي وهو حتى اليوم واحد من أفضل المعاجم المدرسية ترتيباً وشكلاً من خلال استفادته من تقنيات المعاجم الغربية وقد توالت طبعاته منقحة معدلة ومزودة بالإضافات كملحق الأقوال السائرة والأمثال عند العرب وقد اعتمد المنجد في مادته اللغوية على محيط المحيط مع الرجوع أحياناً إلى تاج العروس.

وفي عام 1960 صدر المعجم الوسيط في القاهرة مفسحاً المجال لألفاظ الحضارة ولمصطلحات العلوم والفنون مسترشداً بما أقره مجمع اللغة العربية في القاهرة اشتقاقاً وقياساً وتعريباً ليفي بمطالب العصر.

وفي سورية أصدرت وزارة التربية عام 1985 المعجم المدرسي الذي يشكل خطوة مهمة ورائدة على طريق الاهتمام باللغة العربية ومفرداتها ورفدها بكل ما هو جديد ضمن شروط ومعطيات لم تقف عند القوالب المجمعية الجامدة بل تجاوزتها في الكثير من الأحيان إلى الأخذ بشروط الحياة وشروط اللغة هذا الكائن الحي الذي يتطور في الاتجاهات كافة.

أما آخر قاموس تم وضعه في اللغة والنحو والصرف والإعراب والمصطلحات العلمية والفلسفية والقانونية والحديثة فهو المعجم الصادر عن دار النخبة للباحثة اللبنانية غريد الشيخ محمد التي تقصدت أن يستطيع أي قارئء مهما كان عمره الاستفادة منه ولاسيما أنه موجه لكل الأعمار والمستويات الثقافية.

ومع بدايات القرن العشرين لم يعد العلم مقصوراً على فئة مختارة بل صار إلزامياً في بقاع كثيرة من العالم فترسخت المناهج وصار طلاب اللغة قراءة وكتابة يطالبون بتجديد شباب المعاجم ورفدها بآلاف المفردات المستوفية الشروط ولاسيما مع التطور التقني وظروف المعرفة الجديدة مع خلال عمليات إعادة تشييد وتأسيس لا تعد ولا تحصى إن في الشكل أو المضمون لأن اللغة ليست كما يظن حبيسة المعاجم والقواميس إنما هي أداة عمل وكائن حي شديد التأثر والتأثير.

المصدر

الخميس، 13 يناير 2011

مجمع اللغة العربية يطالب بقصر تعليم العربية وحدها حتي الصف الثالث الابتدائي

هاني هلال
هاني هلال
كتب حسين عبد ربه
اعتمد الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي قرارات مجمع اللغة العربية الصادرة عن مؤتمر المجمع في دورتيه ال75وال76وتتضمن قرارات المجمع ضرورة العمل علي ان يقتصر التعليم في مراحله الاولي وحتي سن التاسعة اي ما يعادل الصف الثالث الابتدائي علي تعليم اللغة العربية وحدها دون مزاحمة من اللغات الاجنبية وان يكون البدء في تعلم اللغات الا جنبية بعد هذا السن وضرورة ان تتضمن المدارس والجامعات الاجنبية منهجا في اللغة العربية يحقق الحد الادني من الانتماء وشروط الهوية واالمواطنة حتي لا يكون التعليم فيها مقصورا علي اللغات الاجنبية وحدها.
وطالب المجمع بتفعيل القانون رقم 115 لسنة1958 والذي يجرم كتابة اسماء المحال والمتاجر والمنشأت التعليمية والسياحية ومرافق الدولة والقطاع الخاص بلغة او حروف اجنبية .
مع التشديد علي عدم نشر اية اعلانات بالصحف والتليفزيون او بالشوارع بلغات اجنبية واوصي المجمع بضرورة الحد من التلوث اللغوي في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة بصفة خاصة.
 

الأحد، 9 يناير 2011

أسباب أخرى للدفاع عن اللغة العربية...ليس هناك لغة أفضل من أخرى والعامية ليست العدو الأول

غالباً ما يتم الدفاع عن اللغة العربية وضرورة المحافظة عليها والتمكين لها مشفوعاً بقرائن كثيرة تدلّ على تميّز هذه اللغة وفرادتها وتفوقها على اللغات الأخرى.
ولكن لو لم تكن اللغة العربية بتلك المزايا فهل نفتقد مبرر الدفاع عنها؟ وهل حال اللغة العربية سيكون بخير حينما يتقرر لها يوماً عالمياً للاحتفاء بها؟ ولماذا نضطر لوصف لغتنا بأنها جميلة وقادرة وواسعة إلى آخر تلك الاستخدامات، ونسبغ عليها صفات الكمال وكأننا نبحث عن مبررات لدفاعنا عنها؟!

إن اللغة هي ضرورة بدهيّة، وهي أهم ما يميز أمة من الأمم في ماضيها وحاضرها وهي العلاقة الفارقة لأي قومية أو جنسية، ولذلك فإن دفاع القوميات والشعوب عن لغاتهم لا يحتاج إلى مسببات ولا إلى حجج وبراهين، ولا إلى مواصفات معينة تبرر أسباب الدفاع، فلم يعرف التاريخ أمة احتجت على لغتها أو طالبت بتغييرها أو قصّرت في الدفاع عنها وعن أسباب وجودها، فاللغة، بالبديهة، هي الرابط الأساسي بين كل الناطقين بها وهي ليست بحاجة لأن تكون جميلة أو رشيقة أو متميزة، أو حتى متعددة الألفاظ، والكلمات طالما كانت تفي باحتياجات مستخدمها، وربّما كانت تلك الصفات بحاجة إلى إعادة النظر قبل الشروع في تقديم القراءات المختلفة لأهمية اللغات بما فيها اللغة العربية..
البحث الموضوعي العلمي في قضية اللغات لا بد أن يصل في نتائجه إلى نفي تفوق لغة على أخرى من حيث الأهمية أو البنى الحقيقية. فقضية التفوق اللغوي وخاصة من حيث جمال اللغة ومقدرتها على التعبير تستند دائماً إلى بعد عاطفي لا إلى حقيقة علمية، ومن هنا نستطيع الحض على الدفاع عن لغتنا لسبب أساسي وجوهري وهو أنها «لغتنا».
تماماً كما ندافع عن أرضنا لأنها «أرضنا» بصرف النظر عن جمال تلك الأرض أو حجمها أو موقعها الجغرافي..
بات الدفاع عن اللغة العربية مجال عمل الكثيرين، بل بات مجال عمل مستقل لبعض الهيئات واللجان المتخصصة غير أنه حتى اليوم لا يستطيع التفاعل مع الواقع، ومع الشارع المعني أيضاً بلغته، وربما يكمن السبب الرئيسي في التوجّه الذي تتخذه تلك اللجان والهيئات وهو التعامل مع لغة الناس، لغة الواقع، لغة الشارع، على أنها العدو الأول للّغة الأم، وهنا يبرز التناقض الأساسي في أشكال الدفاع عن اللغة التي تنقسم انقساماً حاداً إلى فصيحة وعامية حيث تتركّز جهود المدافعين على ضرورة تدمير اللهجة العامية ومحاولة إلغائها واستبدالها بالفصحى.. وقد أثبتت التجارب أن ذلك أمر مستحيل، فالعامية هي تطور طبيعي للّغة ولا نستطيع وقف زحفها لا بقرار ولا بحملات مضادة ولا بأي طريقة كانت والدليل على ذلك هو إخفاق كل المحاولات التي سعت إلى سحب العامية من سوق التداول، وربما كل المحاولات التي هي إحدى مزايا اللغة القادرة على الاحتفاظ ببنية رسمية أساسية وتفريغ بنى لغوية أخرى تدور في فلكها دون أن تستعمل نظامها بشكل كامل وذلك لا يسيء إلى اللغة الأصل تماماً كما لا يسيء البناء إلى الأرض حيث تبقى أرضاً وإن أزلنا البناء، ولذلك فإن الحملات المضادة للعامية لن تكون حلاً للحفاظ على اللغة العربية، بل ربما كان لها بعدها السلبي في محاولة تدمير الجانب الحي للّغة الأم، وفي الواقع، فإن كل اللغات تفرز لهداتها العامية بل وتعتمد تلك اللهجات وتحتويها وتضيفها إلى قاموسها لإدراكها أن المنشأ الأساسي للغة هو مستخدمها وليس قواعدها أو بناها، فاستخدام اللغة سابق على التقنين لها، وفي مجال اللغة تحديداً لا يمكن التعامل مع القواعد على أنها مغلقة ونهائية طالما كان ثمة إمكانية للإضافة إلى القاموس اللغوي أو الحذف منه.
تجمع النظريات على أن اللغة ذات منشأ « اعتباطي» وتميل أخرى إلى نظرية المنشأ التواضعي، وربمّا لو دققنا النظر والتحليل نستطيع الجمع بين النظريتين/ المنشأين، فقد تطورت اللغة في رحلة تكوّنها الأولى من الإشارة، إلى الصوتيات المجردة إلى مجموعة الأصوات التي أنشأت كلمات ثم جملاً وبعد ذلك تم تثبيتها بحكم التكرار واعتمادها والتقنين لها ولكنها تركت هامشاً مستمراً لانحرافات اللسان التي لا تتعارض مع البنى الأساسية التي ترتكز إليها لتتعامل معها على أنها إضافات تصب في مصلحة توسيع المعجم اللغوي، فإقفال أي معجم يعني بداهة إغلاق الباب أمام حركة التطور، وإذا اتفقنا على البعد الاعتباطي/ التوافقي فبإمكاننا كسر بعض جوانب القداسة غير المبررة في نظرتنا إلى اللغة، ليس من أجل كسر القداسة، بل من أجل توسيع هوامش الحركة وفتح الأفق بشكل أكثر شمولية إلى تلك اللغة.
إن أسهل الطرق في الدفاع هو إيجاد عدد ضعيف وتضخيم تأثيره، أو المباهاة بالكائن الذي ندافع عنه، فأن نسلم بأن اللغة العربية أفضل من غيرها يشير إلى نوع من التعصّب ولا يخدم أهدافنا تماماً كأن نقول إن الرجل العربي أفضل من الإنكليزي أو الألماني، فكل اللغات لم تترك مسميات بلا أسماء، ولا ينقصها أفعال أو كلمات، ولا ينقصها أيضاً أشكال الاستخدام الأدبي، ربما كانت ميزة لغتنا أنها وظفت في الأدب كثيراً بحكم طبيعة الشعب العربي التاريخية وميله إلى التعبير الأدبي، ازدهار الشعر في فترة تاريخية معينة الأمر الذي زاد من قضية الاشتغال على اللغة، ولكن الشعوب الأخرى أيضاً لم تقصّر بشأن لغتها سواء في الخطاب الأدبي وجمالياته أم في الأساليب العلمية.
إن الدفاع عن اللغة - أي لغة- لا يمكن أن يتم من خلال إجلال مقدارها ومقارنتها باللغات الأخرى، ولا بالتقليل من شأن اللغات الأخرى أمامها ولا بمحاربة الاستخدامات اللغوية سواء في الكلمات أم التركيب، ولا في محاربة العامية ومحاولة الانقضاض عليها وإنما في تكثيف استعمالها واستخدامها بحيث تبدو محاولات التمكين لها غير مقصودة ولا ملموسة، وبحيث يتشربها العربي دون تنبيهه باستمرار إليها، وكذلك بالتعامل معها على أنها هوية وجامع ومرجعية لا يمكن الاستغناء عنها، أو كذلك بالانتباه الدائم إلى محاولات التأثير في بينتها الأساسية عبر تداخلها باللغات الأخرى.
والأهم من ذلك كله إيجاد الطرق والوسائل التي من شأنها تخزين قواعد اللغة في الذاكرة العربية تماماً كما تختزن تلك الذاكرة تلقائياً قواعد العامية، وليس بتدريسها كنسق مستقل يمكن حفظه دون استخدامه.


المصدر